حكم تفسير الأحلام في الإسلام بين الإباحة والتحذير
تثير مسألة تفسير الأحلام في الإسلام تساؤلاتٍ كثيرةً حول حكمها، وضوابطها، ومصادرها الموثوقة. وفي هذا المقال، سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال استعراض الأدلة الشرعية، وأقوال العلماء، مع ذكر المصادر الموثوقة.
أولاً: حكم تفسير الأحلام في الإسلام
. الإباحة
الأدلة
قوله تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 64].
تفسيرها: ذكر بعض المفسرين أن البُشرى في الحياة الدنيا تشمل الرؤيا الصالحة.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) [صحيح البخاري].
دلالته: الحديث يشير إلى أهمية الرؤيا الصالحة وارتباطها بالنبوة، مما يدل على مشروعية الاهتمام بها وتأويلها.
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) [صحيح البخاري].
دلالته: الحديث يفرق بين الرؤيا الصالحة التي هي من الله، والرؤيا المكروهة التي هي من الشيطان، ويبين كيفية التعامل مع كل منهما.
أقوال العلماء:
ابن حجر العسقلاني: "تفسير الرؤيا من الأمور المباحة التي لا حرج فيها، إذا كانت على وجه صحيح، وبقصد صالح".
ابن القيم: "تفسير الرؤيا من الأمور التي يحتاج إليها الناس، ولا غنى لهم عنها، إذا كانت على وجه صحيح".
2. التحذير:
الأدلة:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (إِيَّاكُمْ وَتَعْبِيرَ الرُّؤْيَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ تَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ) [صحيح مسلم].
دلالته: الحديث يحذر من الإفراط في تفسير الأحلام، وخصوصًا إذا كان ذلك من باب التخويف أو التنجيم.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لَا تُقَصُّوا الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ) [سنن الترمذي].
دلالته: الحديث يوصي بعدم قص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح، مما يدل على أهمية التثبت في تفسير الأحلام.
أقوال العلماء:
ابن تيمية: "تفسير الرؤيا من الأمور التي يكثر فيها الغلط، ولا يجوز الاعتماد عليها في الأحكام الشرعية".
ابن القيم: "ينبغي للمسلم أن يحذر من تفسير الأحلام من غير علم، فإن ذلك قد يؤدي إلى الضلال".
ثانياً: ضوابط تفسير الأحلام
1. العلم: يجب أن يكون المفسر على علمٍ بأساليب تفسير الأحلام، ومعاني الرموز، وأصول التفسير.
2. التقوى: يجب أن يكون المفسر تقيًا، ورعًا، بعيدًا عن الهوى والشهوات.
3. الصدق: يجب أن يكون المفسر صادقًا في تفسيره، ولا يتكلف في تأويل الرؤيا.
4. التثبت: يجب التثبت من صحة الرؤيا قبل تفسيرها، وعدم الاعتماد على الأحلام الكاذبة أو التي مصدرها الشيطان.
5. عدم التنجيم: يجب تجنب تحويل تفسير الأحلام إلى وسيلة للتنبؤ بالمستقبل، أو معرفة الغيب.
ثالثاً: مصادر تفسير الأحلام الموثوقة
1. القرآن الكريم: يحتوي القرآن على العديد من القصص التي تتضمن تفسيرًا للأحلام، مثل قصة يوسف عليه السلام.
2. السنة النبوية: وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن تفسير الأحلام، مثل حديث الرؤيا الصالحة.
3. كتب التفسير: هناك العديد من كتب التفسير التي تناولت موضوع تفسير الأحلام، مثل كتاب "تعطير الأنام في تفسير الأحلام" للنابلسي.
4. العلماء الموثوقون: يمكن الرجوع إلى العلماء الموثوقين الذين لهم باعٌ طويل في تفسير الأحلام، مع الحذر من الدجالين والمشعوذين.
رابعاً: أمورٌ يجب الحذر منها
1. الاعتقاد بأن كل حلم له تفسير: ليس كل حلم له تفسير، فقد تكون بعض الأحلام مجرد أضغاث أحلام.
2. الاعتماد على تفسير الأحلام في اتخاذ القرارات: لا يجوز الاعتماد على تفسير الأحلام في اتخاذ القرارات المصيرية، مثل الزواج أو الطلاق أو السفر.
3. الاستعانة بالعرافين والمشعوذين: يحرم الاستعانة بالعرافين والمشعوذين لتفسير الأحلام، لأن ذلك من أعمال السحر والشعوذة.
خاتمة
تفسير الأحلام في الإسلام مباحٌ إذا كان على وجهٍ صحيح، وبقصدٍ صالح، مع مراعاة الضوابط الشرعية، والحذر من الأمور المحظورة. ولا بد من الرجوع إلى المصادر الموثوقة، والاستعانة بالعلماء الربانيين، وعدم الاعتماد على الدجالين والمشعوذين.