تفسير ابن كثير لسورة الفاتحة
سورة الفاتحة تعدّ من السور المكية التي نزلت في بداية دعوة النبي محمد ﷺ. وبما أنها من أول السور نزولًا، فإن أسباب نزولها ليست مرتبطة بحادثة معينة مثل بعض السور المدنية، وإنما جاءت لتلبية حاجة أساسية وهي تعليم المسلمين كيفية التوجه إلى الله بالدعاء والعبادة. ومع ذلك، هناك بعض الروايات التي يمكن الإشارة إليها لفهم السياق العام لنزول السورة:
اسباب نزول السورة
1. الحاجة إلى منهج للعبادة:
في بداية الإسلام، لم تكن هناك صلاة مفروضة بالطريقة التي نعرفها اليوم، وكان المسلمون بحاجة إلى كلمات يتوجهون بها إلى الله في صلاتهم.
نزلت سورة الفاتحة كمنهج شامل يجمع بين التوحيد، العبادة، الدعاء، والهداية.
2. تعليم المسلمين الدعاء والتوكل على الله:
تضمنت السورة دعاءً شاملًا يطلب الهداية والثبات على الصراط المستقيم، وهذا يعكس حاجة المؤمنين في بداية الإسلام إلى الإرشاد والدعاء لله في ظل التحديات.
3. إثبات عظمة الله وربوبيته:
في المجتمع الجاهلي، كان هناك انحراف عن مفهوم التوحيد، فجاءت سورة الفاتحة لتثبت أن الله هو "رب العالمين" وأن العبادة والدعاء يجب أن يُفردا له وحده.
الروايات المتعلقة بنزولها:
ورد أن النبي ﷺ قال:
هذا الحديث يشير إلى مكانة السورة كأول ما يتعلمه المسلمون من القرآن."إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني" (صحيح البخاري).
فضائل سورة الفاتحة:
- تُسمى بـ"أم الكتاب" لأنها تشمل مقاصد القرآن الأساسية.
- تُقرأ في كل ركعة من الصلاة، مما يدل على مكانتها العظيمة.
- جاء في الحديث الشريف: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (صحيح البخاري ومسلم).
إليك تفسير ابن كثير لسورة الفاتحة، مقتبسًا من كتابه "تفسير القرآن العظيم"، مع تبسيط الشرح:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
- ابن كثير يفسر البسملة بأنها آية عظيمة تفتتح بها السورة، وتبدأ باسم الله الذي يشمل كل صفات الكمال والجلال.
سُميت سورة الفاتحة بهذا الاسم لأنها تُفتتح بها قراءة القرآن الكريم، كما تُعرف بـ"المثاني" لأنها تُقرأ في كل ركعة من الصلاة. ولها أسماء أخرى تعبر عن مكانتها. تبدأ السورة بذكر اسم الله طلبًا للعون منه، و"الله" هو الاسم الأعظم لله تعالى، الذي يدل على المعبود بحق دون شريك. أما "الرحمن" فيشير إلى رحمته العامة التي تشمل جميع المخلوقات، و"الرحيم" يدل على رحمته الخاصة بالمؤمنين. هذان الاسمان يثبتان صفة الرحمة لله سبحانه وتعالى بما يليق بجلاله وعظمته.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين
- ابن كثير يذكر أن "الحمد" يشمل الثناء على الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.
- "رَبِّ الْعَالَمِينَ": يعني أن الله هو الخالق والمدبر لكل شيء في الكون، بما في ذلك العوالم المختلفة مثل البشر والجن والملائكة.
الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
- يكرر ابن كثير التركيز على هاتين الصفتين العظيمتين، مما يُبرز سعة رحمة الله وفضله.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
- "مالك" تعني أن الله هو صاحب السيادة المطلقة على يوم القيامة، حيث يُحاسب كل مخلوق على أعماله.
- يذكر ابن كثير أن هناك قراءة أخرى لـ "ملك يوم الدين"، وكلاهما صحيح، ويؤكدان أن الله هو الحاكم والقاضي في ذلك اليوم.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
- يرى ابن كثير أن هذه الآية تُبرز التوحيد الخالص، حيث يتوجه المسلم إلى الله وحده بالعبادة والدعاء.
- "نستعين": طلب العون من الله في جميع الأمور، وهو إقرار بالعجز البشري أمام قدرة الله.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
- "الصراط المستقيم": يفسره ابن كثير بأنه الإسلام، أو طريق الإيمان والطاعة الذي يقود إلى الجنة.
- الدعاء هنا هو طلب الهداية إلى الحق والثبات عليه.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
- طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين, فهم أهل الهداية والاستقامة, ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم, الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به, وهم اليهود, ومن كان على شاكلتهم, والضالين, وهم الذين لم يهتدوا, فضلوا الطريق, وهم النصارى, ومن اتبع سنتهم. وفي هذا الدعاء شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال, ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام, فمن كان أعرف للحق وأتبع له, كان أولى بالصراط المستقيم, ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام, فدلت الآية على فضلهم, وعظيم منزلتهم, رضي الله عنهم. ويستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: (آمين), ومعناها: اللهم استجب, وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف، كما جاء في آية أخرى: "فَأُوْلَٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ" (النساء: 69).
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
"المغضوب عليهم": يفسر ابن كثير أنهم اليهود الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به."الضالين": هم النصارى الذين ضلوا عن طريق الحق بسبب الجهل.
تعليق ابن كثير على السورة:
يذكر ابن كثير أن سورة الفاتحة شاملة لكل معاني القرآن، لأنها تحتوي على:- التوحيد: إثبات ربوبية وألوهية الله.
- العبادة: الأمر بعبادة الله وحده.
- الدعاء: طلب الهداية إلى الحق.
- الإيمان بالآخرة: التذكير بيوم الحساب.